في قلب الخليج الفارسي، حيث تلتقي الطبيعة الخلابة بالتاريخ العريق، تتربع جزيرة قشم كواحدة من أبرز معالم التراث الثقافي في إيران. وبين ممراتها القديمة وأسواقها التقليدية، ينبض إرثٌ عظيم يتمثل في الحرف اليدوية للنساجين، الذين أبقوا على فنونهم حيّة رغم تغير الأزمنة. إن النسيج التقليدي في قشم ليس مجرد مهنة، بل هو تعبير حيّ عن الهوية، والجذور، والانتماء للثقافة المحلية.
يعود تاريخ حرفة النسيج في جزيرة قشم إلى قرون بعيدة، حيث استخدم السكان المحليون النول اليدوي لصناعة الأقمشة التي تُستخدم في الحياة اليومية، من الملابس إلى المفروشات، مرورًا بالأغطية التقليدية.
وقد ارتبطت هذه الحرفة بالنساء القشميات، اللواتي تناقلن أسرارها جيلًا بعد جيل. كانت الحياكة والنسيج في قشم تعبيرًا عن الذوق المحلي، وتمتزج فيها الألوان والنقوش المستوحاة من البحر والصحراء والثقافة الخليجية.
تمثل الحرف اليدوية في قشم جزءًا لا يتجزأ من هوية الجزيرة، ولا سيّما حرفة النسج، التي تُعَدّ من أكثر الحرف ارتباطًا بحياة الناس في الجزيرة. فهذه الحرفة لم تكن فقط وسيلة للعيش، بل كانت أيضًا مظهرًا من مظاهر الفخر والانتماء.
أغطية الرأس والوجه الخاصة بالنساء (مثل البوشية).
الأوشحة المزخرفة.
الزينة المنزلية والمفارش.
القماش المستخدم في الاحتفالات والمناسبات.
يعتمد النساجون في قشم على الأنوال اليدوية التقليدية المصنوعة من الخشب، ويستخدمون خيوط القطن أو الصوف، وأحيانًا خيوط الحرير. تُنسج الأقمشة بتقنية دقيقة تعتمد على الدقة والصبر والحس الفني.
النول اليدوي (دستگاه بافندگی يدوي)
المكوك الخشبي
المشط
الخيوط المصبوغة بألوان طبيعية
وغالبًا ما تُستخدم أصباغ طبيعية مستخرجة من النباتات والأعشاب المحلية، ما يمنح النسيج طابعًا بيئيًا وصديقًا للطبيعة.
تُعتبر النساء في جزيرة قشم العمود الفقري لحرفة النسيج. فالكثير منهن يعملن من داخل منازلهن أو في ورش نسائية صغيرة تديرها تعاونيّات محلية. ويجمع هذا العمل بين الإبداع والدخل المستقل، ويُعدّ عنصرًا هامًا في تمكين المرأة القشمية والحفاظ على التراث المحلي.
في السنوات الأخيرة، أصبحت الحرف اليدوية للنساجين في قشم عنصرًا مهمًا في السياحة الثقافية، حيث يحرص الزوار على شراء المنتجات النسيجية المصنوعة يدويًا كهدايا وتذكارات من جزيرة قشم الإيرانية.
وتنتشر في أسواق قشم التقليدية محالّ تعرض هذه المنتجات، خاصة في المناطق مثل:
سوق دَرَكاه
سوق بوابة قشم
الأسواق القروية في رمكان ودرّكاه
رغم التطور الصناعي، لا تزال هذه الحرفة تقاوم الانقراض، بفضل المبادرات المجتمعية والحكومية، ومشاريع دعم المرأة والحرف التقليدية في إيران. كما ساهم إدخال تصاميم حديثة إلى المنتجات التقليدية في جذب الزبائن الشباب، ما أعاد الأمل إلى النساجين في قشم.
تبقى الحرف اليدوية للنساجين في جزيرة قشم شاهدة على حضارة حيّة، لا تزال تنبض بالإبداع والهوية، رغم تحديات العصر. إنها أكثر من مجرد قماش يُنسج، بل قصة تُروى بخيوط من ذهب من قلب الخليج الفارسي، تعبّر عن التاريخ، والفن، والصبر، والانتماء.
بدون تعليق