تمتاز جزيرة قشم الواقعة في قلب الخليج الفارسي بسحرها الطبيعي وثقافتها المتجذّرة في البحر. وعلى مدى قرون، كان للبحر تأثيرٌ عميقٌ في حياة سكان قشم، ليس فقط في معيشتهم وتقاليدهم، بل أيضًا في الإبداع الفني والثقافي الذي يُعد أحد أبرز ملامح الجزيرة. فالفن في قشم ليس مجرد تعبير جمالي، بل هو انعكاس حيّ لعلاقة الإنسان بالبحر، بالمد والجزر، بالملح والرمال، وبالسماء المفتوحة.
تُعدّ جزيرة قشم الإيرانية أكبر جزيرة في الخليج الفارسي، وتتمتع بتنوّع بيئي وثقافي نادر، حيث اندمجت العناصر الطبيعية مع الثقافات المحلية لتنتج إرثًا غنيًّا من الفنون التقليدية، بدءًا من الحرف اليدوية إلى الموسيقى والمسرح الشعبي، وكلها مستلهمة من البحر.
من أبرز مظاهر الإبداع الفني في قشم هو استخدام عناصر البحر في صناعة الحرف اليدوية. تصنع النساء من أصداف البحر والأسماك المجففة والمشغولات البحرية قطعًا فنية تُعرض في الأسواق التقليدية. وتشمل هذه الفنون:
زخارف من الأصداف البحرية
تصاميم نسجية بألوان البحر
أدوات منزلية مزيّنة برسومات قوارب وأسماك
تظهر تأثيرات البحر في الأزياء التقليدية النسائية في قشم، مثل البرقع المزخرف، الذي يُطرّز بألوان البحر (الأزرق، الفيروزي، الأخضر البحري)، ويُستخدم فيه أحيانًا قواقع صغيرة.
من الفنون المميزة في قشم، فن النقش على الخشب، حيث يُستخدم خشب السفن القديمة ليُعاد تدويره كلوحات فنية تُرسم عليها مناظر البحر، والأسماك، والمراكب الشراعية التي تُعبّر عن الهوية البحرية للجزيرة.
تُعتبر الموسيقى في قشم مرآة لتاريخها البحري. الأغاني الشعبية (المعروفة محليًا بـ”الهُولِي”) تمجّد البحر، وتصف الصيادين، والغوص لصيد اللؤلؤ، ورحلات التجارة البحرية. وتُستخدم آلات مثل:
الطبل البحري (الطّار)
آلة “الجُمبُوش”
نغمات تُشبه صوت الموج والرياح
هذه الموسيقى تُغنّى في المناسبات والاحتفالات، خاصة في مهرجانات قشم التراثية، حيث يعيش الزائر تجربة فنية بحرية أصيلة.
يمثل البحر في الذاكرة الثقافية لسكان قشم مصدرًا للغموض، والقوة، والرزق. وتنتشر بين كبار السن أساطير بحرية عن مخلوقات عجيبة، أو قصص عن الصيادين الذين تاهوا وعادوا بعد سنوات، وكلها تُروى بأسلوب حكائي فني يُشكّل جزءًا من التراث الشفهي في جزيرة قشم.
تُعد المعالم الطبيعية البحرية في قشم – مثل غابة حَرّا (المانغروف)، ووادي النجوم، والكهوف البحرية – بمثابة مرسم مفتوح للفنانين المحليين، حيث تُستلهم منها لوحات، ونقوش، وحتى أعمال تصوير فوتوغرافي وسينمائي، في سياق ازدهار السياحة الثقافية في قشم.
تستقطب قشم سنويًا آلاف الزوار المهتمين ليس فقط بطبيعتها، بل أيضًا بـالثقافة والفن المحليين. ومن بين أبرز الأنشطة السياحية:
زيارة قرى الفنانين مثل قرية “لافت”
ورش عمل الحرف اليدوية التقليدية
عروض فنية على الشاطئ
متاحف بحرية صغيرة تعكس علاقة الإنسان بالبحر
إن تأثير البحر على الإبداع الفني في جزيرة قشم لا يُمكن فصله عن هوية الجزيرة وروحها. فمن خلال الفن التقليدي، والموسيقى، والحكايات، والحرف، شكّل البحر عالمًا خاصًا من الإلهام والجمال المتجدد. وتبقى قشم مثالًا حيًّا على كيف يمكن للطبيعة أن تُلهم الإنسان لصناعة ثقافة نابضة بالحياة، تحكي قصة الخليج الفارسي وفنونه التي لا تموت.
بدون تعليق